فصل: من لطائف وفوائد المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وأخرج ابن المنذر عن سعيد بن جبير قال ذكر أن بني عمرو بن عوف ابتنوا مسجدًا، فبعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأتيهم فيصلي في مسجدهم، فأتاهم فصلى فيه، فلما رأوا ذلك اخوتهم بنو غنم بن عوف حسدوهم، فقالوا: نبني نحن أيضًا مسجدًا كما بنى اخواننا فنرسل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيصلي فيه، ولعل أبا عامر أن يمر بنا فيصلي فيه. فبنوا مسجدًا فأرسلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأتيهم فيصلي في مسجدهم كما صلى في مسجد اخوتهم، فلما جاء الرسول قام ليأتيهم أو همَّ ليأتيهم، فأنزل الله: {والذين اتخذوا مسجدًا ضرارًا} إلى قوله: {لا يزال بنيانهم الذي بنوا ريبة في قلوبهم} إلى آخر الآية.
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: {والذين اتخذوا مسجدًا} قال: المنافقون. وفي قوله: {وإرصادًا لمن حارب الله ورسوله} قال: لأبي عامر الراهب.
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {والذين اتخذوا مسجدًا ضرارًا} قال: إن نبي الله صلى الله عليه وسلم بنى مسجدًا بقباء فعارضه المنافقون بآخر، ثم بعثوا إليه ليصلي فيه فأطلع الله نبيه صلى الله عليه وسلم على ذلك.
وأخرج ابن إسحق وابن مردويه عن ابن عباس قال: دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم مالك بن الدخشم فقال مالك لعاصم: انظرني حتى أخرج إليك بنار من أهلي، فدخل على أهله فأخذ سعفات من نار، ثم خرجوا يشتدون حتى دخلوا المسجد وفيه أهله فحرقوه وهدموه وخرج أهله فتفرقوا عنه، فأنزل الله في شأن المسجد {والذين اتخذوا مسجدًا ضرارًا وكفرًا} إلى قوله: {عليم حكيم}.
وأخرج ابن إسحق وابن مردويه عن أبي رهم كلثوم بن الحصين الغفاري- وكان من الصحابة الذين بايعوا تحت الشجرة- قال أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزل بذي أوان بينه وبين المدينة ساعة من نهار وكان بنى مسجدًا الضرار، فأتوه وهو يتجهز إلى تبوك فقالوا: يا رسول الله إنا بنينا مسجدًا لذي العلة والحاجة والليلة الشاتية والليلة المطيرة، وإنا نحب أن تأتينا فتصلي لنا فيه.
قال: إني على جناح سفر، ولو قدمنا إن شاء الله أتيناكم فصلينا لكم فيه، فلما نزل بذي أوان أتاه خبر المسجد، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم مالك بن الدخشم أخا بني سالم بن عوف، ومعن بن عدي، وأخاه عاصم بن عدي أحد بلعجلان، فقال: انطلقا إلى هذا المسجد الظالم أهله فاهدماه واحرقاه، فخرجا سريعين حتى أتيا بني سالم بن عوف وهم رهط مالك بن الدخشم، فقال مالك لمعن: أنظرني حتى أخرج إليك. فدخل إلى أهله، فأخذ سعفًا من النخل فاشعل فيه نارًا، ثم خرج يشتدان وفيه أهله فحرقاه وهدماه وتفرقوا عنه، وفيهم نزل من القرآن ما نزل: {والذين اتخذوا مسجدًا ضرارًا وكفرًا} إلى أخر القصة.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك في قوله: {والذين اتخذوا مسجدًا} قال: هم ناس من الأنصار، ابتنوا مسجدًا قريبًا من مسجد قباء، بلغنا أنه أول مسجد بُنيَ في الإِسلام.
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن إسحاق قال: كان الذين بنوا مسجد الضرار اثني عشر رجلًا. جذام بن خالد بن عبيد بن زيد، وثعلبة بن حاطب، وهزال بن أمية، ومعتب بن قشير، وأبو حبيبة بن الأزعر، وعباد بن حنيف، وجارية بن عامر، وأبناء محمع، وزيد، ونبتل بن الحارث، ويخدج بن عثمان، ووديعة بن ثابت.
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله: {والذين اتخذوا مسجدًا ضرارًا} قال: ضاروا أهل قباء {وتفريقًا بين المؤمنين} قال: فإن أهل قباء كانوا يصلون في مسجد قباء كلهم، فلما بني أقصر من مسجد قباء من كان يحضره وصلوا فيه {وليحلفن إن أردنا إلا الحسنى} فحلفوا ما أرداوا به إلا الخير.
أما قوله تعالى: {لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه}.
أخرج ابن أبي شيبة وأحمد ومسلم والترمذي والنسائي وأبو يعلى وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن خزيمة وابن حبان وأبو الشيخ والحاكم وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن أبي سعيد الخدري قال: اختلف رجلان رجل من بني خدرة، وفي لفظ: تماريت أنا ورجل من بني عمرو بن عوف في المسجد الذي أسس على التقوى. فقال الخدري: هو مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال العمري: هو مسجد قباء. فأتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألاه عن ذلك فقال: «هو هذا المسجد، لمسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: في ذلك خير كثير، يعني مسجد قباء».
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد وعبد بن حميد والزبير بن بكار في أخبار المدينة وأبو يعلى وابن حبان والطبراني والحاكم في الكنى وابن مردويه عن سهل بن سعد الساعدي قال: اختلف رجلان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد الذي أسس على التقوى. فقال أحدهما: هو مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم. وقال الآخر: هو مسجد قباء. فأتيا النبي صلى الله عليه وسلم فسألاه فقال: «هو مسجدي هذا».
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد وابن المنذر وأبو الشيخ وابن مردويه والخطيب والضياء في المختارة عن أبي بن كعب قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن المسجد الذي أسس على التقوى فقال: «هو مسجدي هذا».
وأخرج الطبراني والضياء المقدسي في المختارة عن زيد بن ثابت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن المسجد الذي أسس على التقوى فقال: «هو مسجدي هذا».
وأخرج ابن أبي شيبة وابن مردويه والطبراني من طريق عروة عن زيد بن ثابت قال: المسجد الذي أسس على التقوى من أول يوم مسجد النبي صلى الله عليه وسلم.
قال عروة: مسجد النبي صلى الله عليه وسلم خير منه، إنما أنزلت في مسجد قباء.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن مردويه عن ابن عمر قال: المسجد الذي أسس على التقوى مسجد النبي صلى الله عليه وسلم.
وأخرج ابن أبي شيبة وأبو الشيخ وابن مردويه عن أبي سعيد الخدري قال: المسجد الذي أسس على التقوى مسجد النبي صلى الله عليه وسلم.
وأخرج الزبير بن بكار وابن جرير وابن المنذر من طريق عثمان بن عبيدالله عن ابن عمر وأبي سعيد الخدري وزيد بن ثابت قالوا: المسجد الذي أسس على التقوى مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم.
وأخرج ابن أبي شيبة وأبو الشيخ عن سعيد بن المسيب قال: المسجد الذي أسس على التقوى مسجد المدينة الأعظم.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس في قوله: {لمسجد أسس على التقوى} يعني مسجد قباء.
وأخرج أبو الشيخ عن الضحاك في قوله: {لمسجد أسس على التقوى} قال: هو مسجد قباء.
وأخرج ابن أبي شيبة والترمذي والحاكم وصححه وابن ماجة عن أسيد بن ظهيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «صلاة في مسجدة قباء كعمرة» قال الترمذي: لا نعرف لأسيد بن ظهيرة شيئًا يصح غير هذا الحديث.
وأخرج ابن سعد عن ظهير بن رافع الحارثي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من صلى في قباء يوم الاثنين والخميس انقلب بأجر عمرة».
وأخرج ابن أبي شيبة والحاكم وصححه عن ابن عمر قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر الاختلاف إلى قباء راكبًا وماشيًا.
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والنسائي وابن ماجة عن سهل بن حنيف قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من خرج حتى يأتي هذا المسجد- مسجد قباء- فيصلي فيه كان كعدل عمرة».
وأخرج ابن أبي حاتم عن محمد بن سيرين. أنه كان يرى كل مسجد بني بالمدينة أسس على التقوى.
وأخرج ابن أبي حاتم عن عمار الذهبي قال: دخلت مسجد قباء أصلي فيه فأبصرني أبو سلمة فقال: أحببت أن تصلي في مسجد أسس على التقوى من أول يوم. فأخبرني أن ما بين الصومعة إلى القبلة زيادة زادها عثمان. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال السمين:
{وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ}
قوله تعالى: {والذين اتخذوا}: قرأ نافع وابن عامر: {الذين اتخذوا} بغير واو، والباقون بواو العطف. فأمَّا قراءةُ نافع وابن عامر فلموافقة مصاحفِهم، فإنَّ مصاحف المدينة والشام حُذفت منها الواوُ وهي ثابتةٌ في مصاحف غيرهم. و{الذين} على قراءة مَنْ أسقط الواوَ قبلها فيها أوجه:
أحدها: أنها بدلٌ مِنْ آخرون قبلها. وفيه نظر لأن هؤلاء الذين اتخذوا مسجدًا ضِرارًا، لا يُقال في حَقِّهم إنهم مُرْجَوْن لأمر الله، لأنه يُروى في التفسير أنهم من كبار المنافقين كأبي عامر الراهب.
الثاني: أنه مبتدأ وفي خبره حينئذٍ أقوالٌ:
أحدها: أنه {أفَمَنْ أَسَّسَ بنيانَه} والعائد محذوفٌ تقديره: بنيانَه منهم.
الثاني: أنه {لا يزال بنيانُهم} قاله النحاس والحوفي، وفيه بُعْدٌ لطول الفصل.
الثالث: أنه {لا تقمْ فيه} قاله الكسائي.
قال ابن عطية: ويتجه بإضمارٍ: إمَّا في أول الآية، وإمَّا في آخرها بتقدير: لا تقم في مسجدهم.
الرابع: أن الخبرَ محذوفٌ تقديرُه: معذَّبون ونحوه، قاله المهدوي.
الوجه الثالث أنه منصوبٌ على الاختصاص. وسيأتي هذا الوجهُ أيضًا في قراءة الواو.
وأمَّا قراءةُ الواو ففيها ما تقدَّم، إلا أنه يمتنع وجهُ البدل مِنْ {آخرون} لأجل العاطف. وقال الزمخشري: فإن قلت: {والذين اتخذوا} ما محلُّه من الإِعراب؟ قلت: محلُّه النصب على الاختصاص، كقوله تعالى: {والمقيمين الصلاة} [النساء: 162]. وقيل: هو مبتدأ وخبرُه محذوفٌ معناه: فيمَنْ وَصَفْنا الذين اتخذوا، كقوله: {والسارق والسارقة} [المائدة: 38]، قلت: يريد على مذهب سيبويه فإن تقديره: فيما يُتْلى عليكم السارق، فحذف الخبرَ وأبقى المبتدأ كهذه الآية.
قوله: {ضِرَارًا} فيه ثلاثةُ أوجهٍ:
أحدها: أنه مفعولٌ من أجله أي: مُضَارَّةً لإِخوانهم.
الثاني: أنه مفعولٌ ثان لاتَّخذ قاله أبو البقاء.
الثالث: أنه مصدر في موضع الحال من فاعل {اتخذوا} أي: اتخذوه مضارِّين لإِخوانهم، ويجوز أن ينتصبَ على المصدرية أي: يَضُرُّون بذلك غيرهم ضِرارًا، ومتعلَّقاتُ هذه المصادرِ محذوفةٌ أي: ضِرارًا لإِخوانهم وكفرًا بالله.
قوله: {مِن قَبْلُ} فيه وجهان، أحدهما وهو الذي لم يذكر الزمخشري غيره أنه متعلقٌ بقوله: {اتخذوا} أي: اتخذوا مسجدًا مِنْ قبل أن ينافقَ هؤلاء. والثاني: أنه متعلقٌ بـ {حارب} أي: حارب مِنْ قبل اتِّخاذ هذا المسجد.
قوله: {وَلَيَحْلِفَنَّ إِنْ أَرَدْنَا} لَيَحْلِفُنَّ: جوابُ قسم مقدر أي: والله ليحلِفُنَّ. وقوله: {إن أَرَدْنا} جوابٌ لقولِه: {ليحلِفُنَّ} فوقع جوابُ القسم المقدر فعلَ قسم مجابٍ بقوله: {إنْ أَرَدْنا}.
{إن} نافية ولذلك وقع بعدها {إلا}.
و{الحسنى} صفةً لموصوفٍ محذوفٍ أي: إلا الخصلة الحسنى أو إلا الإِرادةَ الحسنى. وقال الزمخشري: ما أَرَدْنا ببناء هذا المسجد إلا الخَصْلة الحسنى، أو إلا لإِردة الحسنى وهي الصلاة.
قال الشيخ: كأنه في قوله: إلا الخصلة الحُسْنى جعله مفعولًا، وفي قوله: أو لإِرادة الحسنى جعله علةً فكأنه ضَمَّن أراد معنى قَصَد أي: ما قصدوا ببنائه لشيء من الأشياء إلا لإِرادة الحسنى قال: وهذا وجهٌ متكلف. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآية:
قال عليه الرحمة:
قوله جلّ ذكره: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُواْ مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِّمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ وَلَيَحْلِفَنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُون}.
مَنْ لم يكن مخلصًا في ولائه لم يأنس القلبُ بكدِّه وعنائه، فَتَوَدُّدُه في الظاهر ينادي عليه بالتوائه، وبقوله بالتكلُّفِ شهادةُ صِدْقٍ على عَدَمِ صَفَائه:
مَنْ لم يكنْ للوصال أهلًا ** فكلُّ إحسانِه ذنوبُ

اهـ.